عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحب الله وَرَسُوله ويُحِبهُ الله وَرَسُوله يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ»، قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ». فَقَالُوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ». فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»(1)
شرح المفردات (2):
(لَأُعْطيَن الرَّايَة) ، أَي: الْعلم.
(يدوكون ليلتهم) يخوضون ويتحدثون طوال ليلتهم.
(يشتكي عَيْنَيْهِ) من الرمد.
(أنفذ) أَي: إمضِ.
(على رسلك) أَي: اتئد فِيهِ.
(حُمْر النَعَم) َالْإِبِل الْحمر، هِيَ أحسن أَمْوَال الْعَرَب يضْربُونَ بهَا الْمثل فِي نفاسة الشَّيْء، وَلَيْسَ عِنْدهم شَيْء أعظم مِنْهُ.
من فوائد الحديث(3)
[rtl]
1- هذ القصة كانت في غزوة خيبر، وقد كَانَ يَوْم خَيْبَر فِي أول سنة سبع، َقَالَ مُوسَى بن عقبَة: لما رَجَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة مكث بِالْمَدِينَةِ عشْرين يَوْمًا، أَو قَرِيبا من ذَلِك، ثمَّ خرج إِلَى خَيْبَر وَهِي الَّتِي وعدها الله تَعَالَى إِيَّاه، في قوله تعالىوَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)[الفتح:20].[/rtl]
2- معْجزَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ أخبر بِفَتْح خَيْبَر على يَد من يعْطى لَهُ الرَّايَة، فوقع الأمر كما أخبر عليه الصلاة والسلام.
3- إن تشبيه أُمُور الآخر بأعراض الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ للتقريب إِلَى الْفَهم، وإلاَّ فذرة من الْآخِرَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بأسرها وأمثالها مَعهَا.
4- في اختيار عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عنه دليل على شجاعته، كما أن في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن محبة الله ورسوله له دليل على فضله وكمال إيمانه.
5- فضل الدعوة إلى الله عز وجل، وأن غاية الجهاد في الإسلام هي هداية الخلق، وأن تكون كلمة الله هي العليا.
6- ابتلاء الله تعالى للصالحين بالأمراض ونحوها، وفيها تكفير للسيئات، ورفع للدرجات، فعَنْ [size=24]أَبِي سَعِيدٍ ، وَأَبِى هُرَيْرَةَ ، [/size]
أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ ، حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ (4) " 7- ثبات صفة المحبة لله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه وتعالى يُحِب ويُحَب، ,وقد يبين الإمام ابن القيم رحمه الله حقيقة منزلة المحبة وفضلها فقال: "ومن منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) منزلة المحبة، وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال؛ التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها" إلى أن قال: "تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله يوم قدَّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة: أن المرء مع من أحب، فيالها من نعمة على المحبين سابغة هذا حال أصحاب القلوب المحبة لله ولطاعة الله سبحانه وتعالى؛ حباً مقترناً بخشيته وإجلاله والحياء منه عز وجل، هؤلاء هم الذين يمشون الهوينى ويسبقون الساعين"
تحياتى
مدار